لم أكن أعرف شيئًا عن الحسد، ولا خطره، ولا حتى ما يسمونه "المسّ". لم يخطر ببالي يومًا أنني سأكون أحد من يطرق هذا الباب… أو بالأحرى، من يُفتح عليه دون استئذان.
كل ما كنت أعرفه هو أنني بخير… ثم فجأة، لم أعد كذلك.
تغيّر كل شيء بسرعة غريبة: صحتي، طاقتي، مزاجي، وحتى نظرتي للحياة.
بدأت رحلة البحث: هل هو مرض نفسي؟ عضوي؟ إرهاق؟ اكتئاب؟
لكن كل الفحوصات كانت تقول: "لا شيء فيك!"
ومع ذلك، كنت أعيش شيئًا حقيقيًا، مؤلمًا، ومحيّرًا…
وهنا بدأت حكايتي مع ما لم أكن أعرفه، ولا أؤمن بوجوده أصلًا.
وبينما كنت أُقنع نفسي بأن الأمر مجرد إرهاق أو ضغط مؤقت، بدأت ألاحظ أشياء لم أعتدها من قبل…
لم أعد أرتاح كما كنت، حتى في أكثر الأيام هدوءًا.
أنام لكن لا أستيقظ نشيطًا، أبتسم للناس لكن أشعر أن شيئًا ما يُطفئني من الداخل.
تتراكم الأيام، ويزداد معها هذا الشعور الغريب: كأنني موجود بجسدي فقط… لكن روحي متعبة، مثقلة، لا أجد لها وصفًا.
لم تكن هناك مشكلة واضحة، لكن كل شيء بدا ناقصًا… مائلًا… خارج التوازن.
حينها، بدأ الشك يهمس لي: هناك شيء آخر. شيء لا يُرى… لكنه يُتعبك، يستهلكك، ويقف بينك وبين نفسك.
بدأت أبحث عن السبب بالطريقة التي يفعلها أغلب الناس: لجأت إلى الأطباء.
أجريت كل الفحوصات التي طلبوها… تحاليل دم، أشعة، وفحوصات لا تنتهي… لكن النتيجة كانت دائمًا نفسها:
"كل شيء يبدو طبيعيًا."
بعض الأطباء رجّحوا أن يكون السبب نفسيًا — قلق، اكتئاب خفيف، توتر.
وآخرون اكتفوا بالقول إنني بحاجة إلى الراحة أو إلى تغيير نمط حياتي.
أما الناس من حولي، فكان لكلٍّ تفسيره:
"أنت فقط تفكر كثيرًا."
"ربما إنها ضغوط الحياة."
"كلنا نمر بمثل هذا."
اتبعت ما نُصحته به: الرياضة، المكملات، الأعشاب المهدئة، حتى جلسات الدعم النفسي.
لكن بداخلي، كنت أعلم أن الأمر ليس مجرد هذا.
لم يكن فقط في رأسي، ولا فقط في جسدي…
كان شيئًا ما يضغط على روحي.
وحين لم تنجح كل الحلول، بقيت وحدي في صمت…
مع ألف سؤال، ولا إجابة واحدة واضحة.
وذلك الحَيْرة — عدم المعرفة — كانت أحيانًا أقسى من الألم نفسه.
ثم، شيئًا فشيئًا، بدأت ألاحظ خيوطًا خفية كانت تربط بين ما أعانيه وبين مواقف كنت أظنها عابرة.
تذكّرت تلك النظرات الثقيلة التي كانت تلاحقني دون سبب...
تلك الكلمات التي كانت تُقال لي بابتسامة، لكنها تحمل شيئًا غريبًا خلفها...
ذاك الشعور المفاجئ بالتعب بعد لقاء معين، أو بعد حديث بسيط مع شخص ما.
بدأت أربط… وأسأل نفسي:
هل يمكن أن يكون هذا حسدًا؟
هل من الممكن أن ما أمرّ به ليس فقط توترًا أو إرهاقًا، بل أذى ناتج عن نفس تتمنى زوال ما عندي؟
كان الأمر صعب التصديق في البداية، خصوصًا لشخص مثلي لم يكن يعلم شيئًا عن هذه الأمور…
لكن العلامات كانت تتراكم، والروابط كانت تزداد وضوحًا.
لم يكن الأمر خرافة.
كان واقعًا يتسلل في صمت… ويترك أثره في الجسد، والنفس، والروح.
من خلال التجربة، وما مررت به، بدأت تتضح لي ملامح هذا النوع من المس المرتبط بالحسد أو الإعجاب. فقد وجدت أن الأعراض التي يسببها ليست عادية، ولا يسهل ربطها بشيء محدد في البداية، لأنه لا يصرّح عن نفسه مباشرة، ولا يتحدث عند الرقية كما يفعل غيره، بل يختبئ بصمت مؤذٍ، ويتسلل من خلال نظرة إعجاب أو حسد دفين، وقد يكون الحاسد نفسه هو من يرسل هذا الشيطان.
ما يُربك في الأمر، أن الأعراض تتنقل في البدن بشكل غريب، أمراض وأوجاع لا تستقر في مكان، تارة هنا وتارة هناك، ومع كل الفحوصات والتحاليل، يؤكد الأطباء أن لا شيء ظاهر، فلا تفسير عضوي دقيق لما يحدث. وهذا ما يصعّب تشخيصه، لأن أعراضه تتداخل مع أعراض المس والسحر والعين، ويتأثر بآيات هذه الأنواع كلها، مما يجعل التمييز بينها تحديًا في حد ذاته.
من العلامات التي تكررت في كثير من الحالات، أن أمور الشخص تتعطل بشكل غير طبيعي، فلا يكاد يجد عملًا مستقرا، أو يتقدم في خطوة زواج، أو يحقق ما كان يسعى إليه، وكأن هناك شيئًا ما يُعيقه في كل محاولة. كما لوحظ أن من ابتُلي بشيطان الحسد قد يشعر بزيادة غير معتادة في الشهوة، وهو أحد الأبواب التي يُضعف بها عزيمة المريض ويشغله عن العلاج.
الشيطان الموكل بالحسد ماكرٌ في وساوسه، يوهم صاحبه أن ما به هو مرض عضوي بحت، فيصرفه عن التفكير في الرقية والعلاج الروحي، فيبدأ في رحلة علاج خاطئة بعيدًا عن أصل الداء.
لكن اللحظة الفارقة تكون عند أول رقية، أو مع بداية العلاج، حين يحدث ما يشبه الانفجار العاطفي، بكاء هستيري مفاجئ، أو تأثر جسدي شديد، وهو دليل على أن الشيطان قد تضرر واهتز من الآيات، لكنه لا يزال قويًا في تلك المرحلة. ومع الاستمرار والصبر، تبدأ حدة التأثر تخف، ليس لأن الشفاء قد تمّ بالكامل، ولكن لأن الشيطان بدأ يضعف، ويخف أثره شيئًا فشيئًا.
كل ما سبق، ليس للتخويف، بل للمساعدة على فهم الحالة وتشخيصها، ولتكون على وعي بما يحدث لك، فلا تضيع وقتك في دوامة الحيرة كما ضيعتُه أنا في البداية.
وأدعوكم لسماع الفيديو في قناتي على اليوتيب عن أعراض شيطان الحسد والإشتراك فيها ليصلكم الجديد عن هذا المرض لمعرفة كيفية التعامل معه
هذه التجربة لم تكن سهلة، لكنها كانت كاشفة. مع مرور الوقت، بدأت أتعلم الكثير عن نفسي، وعن طبيعة ما كنت أمرّ به. لم يعد الأمر مجرد معاناة غامضة، بل صار له وجه ومعالم. صرت أرى الأمور بوضوح أكبر، وأفهم ما الذي يمكن أن يفتح باب الأذى، وما الذي يجب أن أُغلقه. أصبحت ردود فعلي أكثر وعيًا، ولم أعد أترك الأمور تمرّ كما كانت، بل بدأت أعمل على نفسي، على فهم مشاعري وتفسير ما يحدث لي، وعلى الانتباه لما يحيط بي. التجربة فتحت لي بابًا جديدًا من الإدراك، وغيّرت نظرتي لما كنت أظنه طبيعيًا أو عابرًا.
لا شيء يحدث عبثًا… وربما ما تمرّ به الآن ليس عقوبة، بل دعوة خفية لتنتبه، لتتوقف، ولترى ما لم تكن تراه من قبل. قد يكون هذا الألم وسيلة ليقربك الله منه، ليردّك إلى نفسك، ويوقظ فيك وعيًا نائمًا.
إذا كنت تشعر أنك تمرّ بشيء مشابه، فلا تستهِن بمشاعرك، ولا تتجاهل ما يهمس به جسدك وروحك. خذ وقتك في التأمل، في القراءة، وفي تحصين نفسك، فالعافية لا تأتي من فراغ، بل تبدأ من وعيك بما يجري داخلك.
تابعنا لتتعلّم المزيد عن هذا الموضوع بعمق، ولتفهم كيف تتغلّب على معاناتك بخطوات واثقة وواعية.